لن تعود إليه

خاطرة تراجيدية تصور معاناة الفتاة التي يسلب منها حقها في اختيار شريك الحياة !!!! صور مليئة في مجتمعاتنا العربية و ان كانت اخذة بالتناقص التدريجي الا انها ما زالت تشكل ظاهرة ... و للاسف

ابتسام سردست

لملمت نفسها... مسحت دموعها... ذلك المساء، فتحت باب بيتها مسرعة... هاربة وخرجت تنتحب... متحسسة ما يؤلمها من جسدها.. خمسة عشر سنة مضت وهي على هذه الحال!
لا... لن تعود إليهخمسة عشر سنة... وهي تتحمل القسوة والألم!كان الجو ممطرا... وها هي الأمطار تنهمر بغزارة.لا يهم لتتنسم هواء الحرية... فهي لن تعود إلى ذلك المأوى.. لقد كبر أولادها... وسيعتادون بعدها.أسرعت في سيرها وكأن هناك من كان يلاحقها! استدارت إلى الوراء، لم تجد أحدا! كانت متوترة... تمشي مسرعة هاربة من شيء ما.نعم لقد كانت تهرب من أيامها المليئة بالألم والدموع.
لا لن تعود إليه!انهمرت دموعها ثانية... وبكت كما لم تبك من قبل..بكت الطفلة التي كانتها... تلك الطفلة الشقية المرحة التي كانت تغني للقمر الذي سيغسل وجهه وينزل ليلعب معها!بكت تلك المراهقة التي طالما حلمت بذلك الفارس الذي انتظرته ليخطفها، كما في تلك القصص الرومانسية التي كانت تقرؤها.بكت أيام شبابها الذي لم تعرفه أبدا... فقد تم دفنه بوثيقة بيع وشراء لرجل يكبرها بعشرين عاما! وتم قبض الثمن! وأصبحت ضمن أملاكه الخاصة!لم تشعر أنها إنسانة أبدا.. كانت شيئا... شيئا فقط!
لا لن تعود إليه!أنجبت له خمسة أطفال... وأعطتهم من درر حنانها الكثير.تزايد هطول المطر، فرفعت رأسها ناظرة إلى السماء علّ تلك الأمطار تغسل قروحها وروحها.. توقفت فجأة ونظرت حولها، كانت تمشي على غير هدى، وكان هناك القليل من المارة في ذلك المساء البارد..وجدت نفسها داخل حديقة عامة... فجلست متهالكة على مقعد تلتقط أنفاسها. كان المطر قد هدأ قليلا، فهدأت أنفاسها معه.. أغمضت عينيها... تنفست بعمق.. وحاولت أن تعود بذاكرتها لما حدث لها... لم تعد تتذكر شيئا! كل ما تتذكره ضرباته وركلاته وإهاناته لها أمام أعين أطفالها!
أخرجها من شرودها صوت هرة تخربش في صحيفة من تنك قبالتها... تأملت الهرة.. وخطرت لها فكرة، فابتسمت باكية: ترى إلى أي صنف من المخلوقات تنتمي؟! أهي من صنف البشر حقا؟! حتى الحيوانات لديها منظمات تطالب بمعاملتها باللين والرفق!
لا... بالتأكيد لن تعود إليه ثانية!ياه... كم كانت تصدق ذلك الكلام عن الزواج، عندما كانوا يقولون لها الزواج هو ملاذ المرأة... هو حياتها ومستقبلها! صدقت كلامهم، ولم تتابع دراستها! وصدقت أن الزواج سيمنحها الحب الذي تنتظر!وكم صدمها حلمها عندما تلقت أول صفعة من زوجها بعد أسبوع من الزواج... لم تعد تذكر السبب، فالأسباب كانت دائما واهية!
لا لن تعود إليه!ولكن..تلفتت حولها.. كانت ما تزال جالسة على المقعد... كان الظلام قد بدأ ينتشر.. بدأت تفكر: إلى أين ستذهب الآن؟... لم يعد لها عائلة، فقد توفي والداها منذ زمن... وتفرق الأخوة... لا مكان لها تمضي إليه!أبعد هذه السنوات من البذل والعطاء... لا تجد لها مكانا تحت السماء؟! ترى كم من النساء مثيلاتها مجبرات على الاستمرار، وعلى احتمال القسوة لأنهن لا يملكن المأوى ولا المال؟! أهن حقيقة أمهات "تحت أقدامهن الجنة"؟!لا... هي أَمَة هربت من قبضة مالكها!الأمة هربت.. ولا مكان لها تذهب إليه... غير ذلك الجحيم!
لكنها لا تريد أن تعود إليه!وجدت نفسها تقف متثاقلة... تمشي لتعود أدراجها إلى حيث يريدون لها أن تنتمي: بيتك... ليس لك إلا بيتك!... أهو حقا بيتها؟! هي لا تملك حتى نفسها!
عادت أدراجها بروحها البائسة وإنسانيتها المقهورة.. وتمنت لو أنها تستطيع ألا تعود إليه!لكنها وضعت يدها على جرس الباب... فتحت لها ابنتها الصغيرة.. فاحتضنتها باكية... نظرت أمامها لتراه واقفا يحدق بها... وقفة سيد متجهم غاضب... فأبعدت ابنتها جانبا لتقف أمامه... ولتنظر إلى عينيه... وليهوي على وجهها ثانية!تجمدت الدموع في عينيها!... لم تتأثر... لم تبك... لم تصرخ... ولم تتكلم!لم تشعر هذه المرة بشيء! شعرت فقط بآدميتها... تموت!لكن صوتا داخلها كان يصرخ... بصمت.. كان يقول: أرجوكم... دعوني أعيش!
وعادت إليه..